أخبار المشاهير

رالف لورين ومسيرة تمايز عمرها أكثر من 56 عامًا

رالف لورين إلى جانبه سيارته من طراز Bugatti Type 57SC Gangloff Drop Head Coupé من عام 1937.

رالف لورين إلى جانبه سيارته من طراز Bugatti Type 57SC Gangloff Drop Head Coupé من عام 1937.

 

يُعد رالف لورين أنجح مصمم أزياءٍ أمريكي على الإطلاق، ذلك أنه أقام علامته على رؤية مثالية ومتفائلة لأمريكا، أَفلح في تعميمها على مختلف الولايات الخمسين لوطنه، مثلما صدّرها إلى مختلف أنحاء العالم. لكن بصمة لورين العالمية تجعل من الإجحاف وصفه بأنه مصمم أزياء أمريكي فحسب. والسبب واضح: أَليس رالف لورين أكثر المصممين الأحياء نجاحًا، سواء في قطاع الأزياء أو في القطاعات المتصلة به؟
لا مصمم يُضاهيه.

كان رائدًا في تعميم ستراتٍ مجرّدة من البطانات والارتقاء بأسلوب حياكة قصاتها الفضفاضة، وكان سبّاقًا إلى هذا التوجّه حين صمم سترات ناعمة وبدلات تُحاكي بدلات نجوم هوليوود. كما أن لورين كان أول من أنشأ خطًا للأثاث المنزلي، فضلاً عن إصدار عطره قبل سنوات من الإصدارات التي حملت تواقيع مصممين آخرين. يتفوّق لورين بين الأحياء والأموات من المصممين، ويظل اسمه الألمع بينهم.

في الوقت الحالي، لِنتفق على الآتي: لقد أنجز رالف عملاً رائعًا. ولنضرب مثالاً حديثًا على ذلك: عندما كنت مسافرًا فوق المحيط الأطلسي على متن طائرةٍ لم يكن موعدها يسمح بالاستغراق في النوم، قررت، بغرابة لم أُدركها إلا في وقت لاحق، مشاهدة الجزء الثالث من فيلم “كريد” الحماسي المُكمِّل لسلسلة أفلام “روكي”.

لقد أذهلني مشهدٌ يَظهر فيه بطل الفيلم – بطل العالم السابق للوزن الثقيل أدونيس كريد، الذي يلعب دوره مايكل بي جوردان – على لوحة إعلانية شاهقة تُطل على الطريق السريع وتعرض أحد منتجات رالف لورين. مع أن هذا المشهد كان وجيزًا، لكنه يُظهر مقدار الهيمنة العالمية للعلامة.

 

زمن البدايات

رُوِيت قصة لورين جيدًا ومرارًا، لكن من الصعب تجاهل ذِكر بعض الحقائق المهمة، لأن فهم أصول القصة يعني فهم كل ما تلاها. لقد ترعرع لورين في ضاحية برونكس، وهو ابن لأبوين روسيين مهاجرين. وفي هذا يقول: “في طفولتي، كنت أُحسِن ارتداء الملابس بالفطرة. وكان هذا غريبًا، فلم أكن أُدرك عِلّة ذلك”.

كانت وظيفته الأولى بعد التخرج مساعد بائعٍ في شركة “بروكس براذرز”Brooks Brothers ، وحينها أصبحت الملابس هاجسه الأكبر. وهذا ما يؤكده المصمم والمؤلف وخبير الملابس الرجالية آلان فلوسر في كتابه الوافي Ralph Lauren: In His Own Fashion، إذ يُورِد ما قاله أحد زملاء لورين في الوظيفة التي التحق بها: “ربما كان يكسب 40 أو 50 دولارًا في الأسبوع، ولكنه كان يرتدي ملابس في غاية الفخامة”.

لم يتخرج لورين من مدرسةٍ لتصميم الأزياء، فموهبته كانت فطرية دومًا. يقول: “كان مديري وقتها يصنع رابطات العنق في بوسطن، فطلبت منه أن يمنحني فرصة لإظهار مقدرتي. كان عمري
آنذاك 24 عامًا وكنت أؤمن بما أفعله، ولكنه اعتقد أن تصاميمي لم تكن بالجودة المطلوبة. لقد سألته إنْ كنت أستطيع تصميم خط بنفسي، فكانت إجابته أن العالم ليس جاهزًا بعد لاستقبال رالف لورين”.

لكن رالف لورين كان جاهزًا لاستقبال العالم، فانطلق بمفرده. كان ذلك في عام 1967، حين ابتكر مجموعة من رابطات العنق التي خالفت الموضة السائدة، إذ تمايزت بقصة عريضة في الوقت الذي شاعت فيه الخطوط النحيلة.

وقد عُرف عن لورين أنه كان يبيع هذه الرابطات من درج غرفة في مبنى إمباير ستيت. وفي هذا يقول: “لم أَشغلْ نفسي بالنجاح، لأنه كان بعيد المنال. كنت أُصمم رابطات العنق، وكان بيع إحداها في متجر بلومينغديلز نجاحًا لا يعادله نجاح”. سرعان ما حدث ذلك، ولكن ليس قبل هَجْر المشترين الذين أصروا على إزالة علامته ووضع علامتهم.

بحلول عام 1970، في وقتٍ كان فيه سِجله يتضمن مجموعاتٍ كاملة من القمصان والسراويل والبدلات، كان لورين أول مصمم يفتتح متجرًا مستقلاً باسمه في بلومينغديلز. وبعدها بعام واحد، استحدث مفهوم المتجر القائم بذاته بإطلاق متجر بولو من رالف لورين Polo by Ralph Lauren في شارع روديو درايف في لوس أنجليس.

 

مع الأميرة ديانا وآنا وينتور في حفلٍ نُظم في مركز نينا هايد لأبحاث سرطان الثدي في عام 1996.

مع الأميرة ديانا وآنا وينتور في حفلٍ نُظم في مركز نينا هايد لأبحاث سرطان الثدي في عام 1996.

أسلوب متفرّد

يقول لورين: “لقد أحببت عملي وأحببت المنتج وأحببت الوقت الذي كنت أقضيه في التصميم. كان أصدقائي يرتدون ما أبتكره، وكنت أدرك أني أمتلك ذائقة حسنة. لقد أحببت أسلوب دُوق وِنْدسورْ وفْريدْ أستير. كانت الأفلام مصدر إلهامي الدائم.

في الواقع، كنت أصمم الملابس التي لم أستطع العثور عليها. لم أعثر على الملابس التي كان يرتديها دوق وندسور في أي مكان. كنت أعرف أسلوبه في الأناقة، لكن المتاجر لم تكن تبيع القطع التي تشكل إطلالته، سواء السترة مزدوجة الصدر أو بدلة التويد أو السترة المُرقّعة بالجلد المقلوب على المرفق”.

 

رالف لورين في ختام عرض أزياء من عام 1996.

رالف لورين في ختام عرض أزياء من عام 1996.

عند مطالعة صور الدوق في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، وهو يرتدي الكنزات المحبوكة وسترات التويد والبدلات الناعمة، يلاحظ الناظر التناغم بين أناقة الريف البريطاني والأسلوب الرياضي الأمريكي المريح وأسلوب طلاب جامعات النخبة. أول ما يتبادر إلى الذهن عند معاينة هذه الصور أن أسلوب تنسيق الملابس هو أسلوب “رالف بعينه” Very Ralph، لكن قبل 50 عامًا من ظهور هذا الأسلوب.

في الواقع، من المرجح أن مفهوم “رالف بعينه” ليس معروفًا في جوهره في أوساط المهتمين بالأزياء فحسب. بل يدركه أيضًا أي شخص زار مراكز التسوق أو طالع المجلات أو شاهد التلفاز في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية.

إلى هذا الحد كانت الهوية البصرية التي استحدثها لورين والمُصوّر بْروسْ ويبر (اللذان تعاونا على إخراج العديد من الحملات الإعلانية الشهيرة) طاغية بحضورها. ولهذا السبب أيضًا كانت عبارة “رالف بعينه” Very Ralph عنوانًا لفيلم وثائقي صدر في عام 2019 ليروي سيرة لورين.

 

رالف لورين في مكتبه الواقع في مدينة نيويورك في عام 1973.

رالف لورين في مكتبه الواقع في مدينة نيويورك في عام 1973.

حقق رالف لورين ما لم يُحققه أحد من قبله، وما لم يكد يحققه إلا قلّة من بعده. وتجسد هذا في الترويج للتوق الكامِن في منتجاته: الزخم الأنيق المرافق لارتداء بدلة مزدوجة الصدر، والتناغم الأصيل مع الأرض بارتداء سراويل تشينو، والزهو الطليق لطلاب جامعات النخبة بارتداء قمصان أكسفورد.

 

لورين راكبًا دراجة في مانهاتن في عام 1976.

لورين راكبًا دراجة في مانهاتن في عام 1976.

وبات هذا الأسلوب منتشرًا حتى صِرنا نُميّزه ما إن نلمحه، سواء في المنطقة الفاخرة التي تجمع أثرياء نيويورك، أو في مزارع كولورادو، أو في شواطئ نانتوكيت وقواربها، أو في حرم جامعات النخبة، أو حتى في ساحات المدارس الإنجليزية الخاصة. تَكفّل رالف لورين بتصميم أزياء الفرق الأمريكية الأولمبية منذ عام 2008، ولكن قبل هذا التاريخ بعقود، وبعده، كان بلا منازع المصممَ الرسمي لملابس الباحثين عن الحلم الأمريكي.

يقول بشغف: “لقد افتتنت بكل ما هو أمريكي. أحببت سروال الجينز عندما لم يكن أحدٌ يحبه. لاحظت أن كل ما يعرفه الناس عن أمريكا هو أنها تصنع سروال الجينز الأزرق”. ويُتابع: “إن الأمريكيين غير معروفين بالأزياء، بل بالمنتجات العَمَلية والنافعة. إنهم يُجيدون صناعة الأشياء العملية، وقد أحببت فيهم هذه السمة”.

 

لورين مع زوجته ريكي وأطفالهما في إيست هامبتون بنيويورك في عام 1977.

لورين مع زوجته ريكي وأطفالهما في إيست هامبتون بنيويورك في عام 1977.

لم يكن الأمر بهذه السهولة دومًا، إذ لم يُدرك الجميع ما كان يَرمي إليه لورين إلا بعد فترةٍ من الزمن. أصبح الجمع بين الملابس متقنة الحياكة والجينز أمرًا شائعًا الآن، لكنه كان أمرًا ثوريًا قبل 40 عامًا. نال لورين جائزة كوتي Coty Award للملابس النسائية وجائزة كوتي الشرفية للملابس الرجالية في العام نفسه: 1976. ولكنه لم ينل التقدير الكافي حتى بعد حصوله على الجائزتين.

يقول المصمم: “أتذكر لحظة استلامي إحدى جوائز كوتي، فقد كان حدثًا مُهمًا وقتها. سألتني صَحفيّة من نيويورك تايمز عمّا أرتديه وأخبرتها أنني أرتدي سروال جينز أزرق وسترة توكسيدو. إنها ذكرى قديمة الآن، ولكنها لم تُدرك جوهر أسلوبي، إذ كان جديدًا كليًا. لقد أدرك المصممون مُرادي، بجانب آخرين، ولكن المجلات الأمريكية لم تفهم مَقصدي، فقد كان اهتمام محرري المجلات متركزًا على الأزياء الأوروبية”.

 

مع عارضات الأزياء في تايمز سكوير في عام 1977.

مع عارضات الأزياء في تايمز سكوير في عام 1977.

ترك هذا الأمر جرحًا في قلب رالف لورين. ولكنه يؤكد: “لقد تأذيت قليلاً بمرور السنوات، ولكنني لا أستطيع أن أطوف من مكان إلى آخر مناديًا: اسمعوني جميعًا، هذا من فعلي. لكن الأمر كذلك”. ويُضيف: “لقد فعلت كل هذا، وأعتقد أنني تركت بصمتي.

مع ذلك، واصلت المسير، كما واصلت ابتكار أشياء جديدة. لقد انتقلت من رابطات العنق إلى القمصان ثم البدلات، ومن الملابس الرجالية إلى الملابس النسائية، فالمطاعم، وهذا ما لم يفعله أحدٌ قبلي”. يبدو أن رؤية لورين قد عَمّت كل شيء، من البدلات الأنيقة إلى قمصان بولو الواسعة الانتشار، وأزياء الشارع، وملاءات السرير والطاولات الجانبية والسجاد، وصولاً إلى مطعم بولو يقدّم شطائر البرغر، وإلى سترات بولو للجِراء.

 

مزرعة رالف لورين في كولورادو في عام 1985.

مزرعة رالف لورين في كولورادو في عام 1985.

في مواجهة التحديات

نَجلس على كرسيين جلديين بأذرع مصنوعة من ألياف الكربون (صممهما احتفاءً بإحدى سياراته المفضلة: ماكلارين إف 1) في مكتبه الواقع في شارع ماديسون، محاطين برموز الاستحقاق التي راوغته في بداياته، مثل الجوائز، وصور الحملات الإعلانية المؤطرة، ومجسّمات السيارات، وكتب الطاولات، وغيرها من القطع التي تحمل بصمة “رالف بعينه”.

وحتى باقتراب لورين من إكمال عامه الرابع والثمانين، يظل أسلوبه في ارتداء الملابس المريحة أفضل من غيره: سترة سفاري باللون الكاكي، وسروال للجري بلون رمادي داكن، وحذاء رياضي أبيض من علامة New Balance لإطلالة لا لبس في انضوائها تحت راية أسلوب رالف.

لم يتغير شعره منذ عقود، إذ حافظ على بياضه وكثافته. ومع أن الارتخاء طال عينيه، في حين طال البطء قدرته على التذكر، إلا أن الحديث عن أسلوب الملابس أو السيارات يظل يُؤجج مشاعره.

ثمة حيّز للفشل في كل قصة نجاح. عندما أطلب منه مشاركة بعض لحظات الفشل، يتذكر قائلاً: “حين بدأتُ مسيرتي، كنت في ورطة. لقد اقترضت 50,000 دولار من إحدى الشركات، وهذا يعني أن تمويلي كان قليلاً.

كان بعض العارضين يظهرون من حين إلى آخر في معارض الأزياء، ولكنهم غابوا عن الإعلانات ولم يُمثّلوا العلامات قط”. تغير هذا الواقع في عام 1993، عندما وظّف لورين عارض أزياء أسود البشرة من أصل صيني يُدعى تايسون بيكفورد، ووقّع معه عقدًا مهمًا بعد أن قاطع أسبوع الموضة في ميلانو احتجاجًا على انعدام سياسات الإشراك.

أصبح بيكفورد الوجه الإعلاني لعطر “بولو سبورت” وأول عارض أزياء شهير من ذوي البشرة السوداء. قبلها بثلاث سنوات، كان لورين قد أشرك رشيد سيلفيرا، الجامع المتعطش لملابس بولو، في حملات إعلانية عديدة، واستمر في التعاون معه منذ ذلك الحين. وفي هذا يقول: “لقد آمنت بالعالم. أنا أعرف معنى…”. عند هذه النقطة يتردد لورين، ثم يكمل قائلاً: “أنا من أصول يهودية، وأعي جيدًا هذه الاختلافات، كما أعي الوضع الذي كان قائمًا من قبل، والوضع القائم الآن”.

تَعرّض لورين للانتقاد مرارًا. فعلى سبيل المثال، زعم بعضهم أن الشركة ضليعة بالاستيلاء الثقافي بسبب طريقة استخدامها لصور الأمريكيين الأصليين وتراثهم (سحبت الشركة الإعلانات التي تُصوّر الشخصيات التاريخية الأمريكية الأصل في عام 2014، وأصدرت اعتذارًا). بعدها، أسست شركة لورين لجنة للتوعية الثقافية، كما أسست لجنة استشارية خارجية متخصصة في تاريخ الأمريكيين الأصليين والسكان الأصليين، وتهدف كلتا اللجنتين إلى مساعدتها على تطبيق أفضل الممارسات الثقافية.

 

لورين مع عائلته في عام 1978.

لورين مع عائلته في عام 1978.
اليوم، لا يبدو المبلغ ذا قيمة، ولكن المصارف آنذاك شرعت فجأة في الاتصال بي قائلة إن ما كان معي من مال ليس كافيًا. كنت أفعل كل شيء بمفردي، وكنت قلقًا بشأن رأي والدي فيّ، فقد كان فخورًا بي. لذلك اضطررت إلى بيع جزء من الشركة إلى غولدمان ساكس. لقد دعموني وساعدوني في الأوقات العصيبة التي مررت بها. كان الأمر أشبه بالتخلي عن أحد أطفالي. نعم، لقد تخليت عن عدد منهم، ولكنني استرجعتهم لاحقًا”.

واجه لورين تحديات أخرى بالطبع. وعند نقطة معينة من الحديث يقول: “كنت أفعل هذا منذ 56 عامًا. هل تُصدق ذلك؟” خلال انخفاض المبيعات وتَواصُل الانتقادات بأن العلامة لم تتطور، استقال لورين من منصب الرئيس التنفيذي في عام 2015، لكنه احتفظ بمنصبيْ رئيس مجلس الإدارة التنفيذي والمدير الإبداعي.

وبعد أزيد من عام بقليل، رحل خلفه ستيفان لارسون، الرئيس العالمي السابق لشركة أولد نيفي التابعة لمجموعة غاب. باتريس لوفيت هو الرئيس الحالي، وهو يشغل المنصب منذ عام 2017. ولكن لورين لا يزال يُشرف على التصميم، وهذا ما يُسارع إلى تذكيري به عندما أستفسر عن الأمر.

يؤكد الأمر قائلاً: “نعم، أنا أُشرف على المجموعات، لكنني أعمل عليها برفقة مصممين رائعين عملوا معي طيلة ثلاثين عامًا. مع كل الأشياء التي أمتلكها، أحتاج إلى فريق يمكنني الاعتماد عليه. أنا سعيد بما بنيته، كما أنني فخور بما حققته الشركة”.

قد يكون الأمر الجدير بالمفاخرة هو أن لورين كان من أوائل المصممين الذين استخدموا أصحاب البشرة الملونة في حملات الأزياء. وفي هذا يقول: “لم أكن أُبالي بالفوارق بين البيض والسود، لكنني كنت أُدرك غياب عارضي الأزياء ذوي البشرة السوداء عن القطاع.

 

لورين يتلقى وابلاً من التصفيق بعد انتهاء عرض الأزياء الذي أُقيم في سنترال بارك في عام 2018.

لورين يتلقى وابلاً من التصفيق بعد انتهاء عرض الأزياء الذي أُقيم في سنترال بارك في عام 2018. WWD

شغف راسخ بعالم السيارات

فجأة يسألني لورين وعيناه تلمعان: “أرأيت السيارات؟”. يُشير بذلك إلى سياراته المجتمعة في المرآب الواقع في شمال ولاية نيويورك، حيث التقطت الصورة الرئيسة المصاحبة لهذا اللقاء. لقد سمح لنا لورين بنفسه بولوج أرض العجائب تلك وكانت المرة الأولى التي يتيح فيها لمجلةٍ التقاط الصور هناك.

إنه يُداوم هو وزوجته ريكي على قراءة مجلة Robb Report، وقد كان فريقانا يخططان لهذه المقابلة لسنوات عدة وبِصيغ مختلفة. لذلك كان ردّي بالإيجاب: لقد رأيت السيارات. في الواقع، لقد حدقت فيها مأخوذًا بتاريخها الممتد لأكثر من مئة عام، تمامًا كما قد يفعل الداخل إلى معرض يجمع الأعمال الفنية القديمة والمعاصرة.

 

فريد أستير، أحد ملهمي لورين.

فريد أستير، أحد ملهمي لورين.

يرتفع المتحف إلى طابقين، ويضم عشراتٍ وعشرات من السيارات التي لا تُعدّ قيمتها ولا تُحصى. كلها سيارات سليمة ومستعادة بالكامل، يُشرف عليها فريق من الفنيين والأمناء. تُشبه هذه المجموعة قائمة أعضاءٍ مُخلّدين في قاعةِ مشاهير السيارات: SSK “Count Trossi” و300SL “Gullwing” Coupé و300SL Roadster من مرسيدس – بنز، وType 57SC Atlantic Coupé وGangloff Drop Head Coupé من بوغاتي، وXK120 Alloy Roadster وXKD وXKSS من جاكوار، بالإضافة إلى سيارات فيراري كثيرة: 375 Plus و250 Testa Rossa، و250 TR 61 Spyder Fantuzzi، و250 GTO، و250 LM، و250 GT California Spyder، و250 GT SWB Berlinetta Scaglietti، و2015 LaFerrari، 275 P2/3 Spyder Drogo، وF40.

كما يمتلك لورين سياراتٍ من بورشه ومورغان وبنتلي، والعديد من سيارات ماكلارين إف 1. وثمة غرف جانبية تحتوي على شاحناتٍ وسيارات جيبْ قديمة ومزيد من سيارات بورشه، وكذلك سيارة مرسيدس مكشوفة كان قد ابتاعها لزوجته بمناسبة تخرجها. وفي هذا يقول: “ما أنا إلا رجل شغوف بشراء السيارات. أردت سيارة مورغان فاقتنيتها، وأردت سيارة إم جي فاشتريتها. لقد أحببت هذه السيارات في طفولتي”.

 

فريق الولايات المتحدة الأمريكية بملابس من تصميم رالف لورين في لندن في عام 2012.

فريق الولايات المتحدة الأمريكية بملابس من تصميم رالف لورين في لندن في عام 2012.

كانت السيارات التي اقتناها مبكرًا تَشي بحبه للمنتجات الإنجليزية، تمامًا كما كان توجهه الجمالي العام يشي بهذا الحب. لكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، وهو يقول موضحًا: «كنت أؤمن بإنجلترا وبالحس الجمالي للإنجليز، لكنني كنت أمريكيًا يتمتع بذائقة رفيعة، أي مزيجًا من الاثنين. ومن هنا نزعتي الأمريكية الإنجليزية تلك”.

ويُتابع لورين: “استطعت شراء بعض السيارات لأنني انتهزت الفرصة. بدأت أجني المال، وبدلاً من شراء الأعمال الفنية، ابتعت السيارات التي استطعت تحمل تكلفتها، وأصلحتها حتى بلغت الحالة التي أردت لها. لم أعتقد يومًا أنني سأمتلك مجموعة كبيرة. لقد جازفت باقتناء السيارات التي اعتقدت أنها جميلة. فقد كانت تُضاهي في نظري الأعمال الفنية، وقد تَبين لي لاحقًا أن قيمة بعضها استمرت في الارتفاع”.

إن هواة الجمع على اختلافهم، وخصوصًا هواة جمع السيارات، يُدركون الحقيقة الكامنة في العبارة التالية: لكل شيء قصة. لنأخذ سيارة Bentley Blower على سبيل المثال. يبدأ لورين في سرد قصتها انطلاقًا من واشنطن ميوز، في شمال متنزه واشنطن سكوير في مانهاتن، وقبل عقودٍ عديدة، حينما شاهد رجالاً يرتدون الخوذات يقودون نماذج من هذه السيارة عجيبة المظهر.

يقول المصمم: “مباشرةً بعد رؤية السيارة قلت إنني أريدها. وللحصول عليها، زُرت إنجلترا، وبالتحديد منزل الرجل الذي كان يمتلك سيارة بنتلي القديمة هذه. لقد كانت المفاوضة صعبة، حتى إنني ظننت أنها طارت من يدي. ولكن بنتلي كانت رمزًا لشيء أحببته حبًا جمًا”.

 

لحظة استلام لورين وسام الذكرى المئوية الثانية لجيمس سميثسون في عام 2014.

لحظة استلام لورين وسام الذكرى المئوية الثانية لجيمس سميثسون في عام 2014.

يضيف لورين: “كانت السيارات كل مُناي، حتى إن جمعها بات نوعًا من الحُمّى. كانت سيارة مرسيدس – بنز من طراز Gullwing تمثّل شغفي ذاك، وهي السيارة التي تُشبهني على ما أعتقد. أتصور أنني أُشبهها، كما أُشبه سيارات جاكوار من طُرز XK120، وXK 140، وXK 150.  كان ينبغي أن أتابع الأمر إلى منتهاه. لهذا عندما اشتريت سيارة XK120، أَلحّت عليّ فكرة شراء سيارة من طراز XK140. إلى هذا الحد كنت مهووسًا بالسيارات”.

الهوس أنواعٌ ودرجات بالطبع. ولكن إنْ انتابك الشك، فإليك قصة أخرى، هذه المرة عن سيارة McLaren F1.

يروي لورين القصة قائلاً: “لقد كنت أذهب كل يومٍ بعد العشاء لألقي نظرة على سيارة ماكلارين في صالة العرض. كنت أحلم بها، لكن شراءها كان متعذرًا، وقد يكون هذا سبب هوسي بها. كان إدخال هذه السيارة إلى أمريكا في حكم المُحال. تحدثت مع رئيس ماكلارين آنذاك وأخبرته بأنني أرغب بشدة في اقتناء السيارة، لكنه قال إن هذا يستلزم تفكيكها، والسبب في ذلك قوانين السلامة والانبعاثات التي تشترط تفكيك بعض السيارات الأجنبية وتعديلها قبل استيرادها قانونيًا إلى البلاد. وهذا ما كان”.

 

 الحملة التسويقية لأزياء Polo Originals لموسم خريف 2022 وشتائه.

الحملة التسويقية لأزياء Polo Originals لموسم خريف 2022 وشتائه.

يتابع لورين قائلاً: “حين ذهبت إلى المصنع برفقة زوجتي لاستلام السيارة، كان توم كروز في المدينة، فأخبرني أحد الموظفين في ماكلارين بأن الممثل الأمريكي قد يشتري نموذجًا من الطراز نفسه. عندها عزمت على شراء سيارة ماكلارين ثانية لأنني تصورت أن يُحاسبني أبنائي لاحقًا أيّما حساب إذا لم أفعل”. لهذا يمتلك لورين أكثر من نموذج في مجموعته. وفي هذا يقول: “لقد تبين أنها سيارة مذهلة وباهظة الثمن. كلفتني مليون دولار، ولكن قيمتها الآن تبلغ نحو 30 مليون دولار”.

يقود لورين سياراته هذه، وعادة ما ينطلق على متن إحداها في عطلة نهاية الأسبوع من مسكنه في بيدفورد بنيويورك إلى مرآبه، ثم يستبدل بها أخرى ويقودها إلى أن تُراوده ثانيةً فكرة تبديلها. لم يَبرأْ لورين من حُمّى الجمع بعد، وفي هذا يقول: “لقد اقتنيت سيارة جديدة، وهي في طريقها إليّ، لكنني لن أراها على الأرجح إلا بعد عام من الآن. إنها السيارة الوحيدة التي ابتعتها في السنوات القليلة الماضية وهي من طراز Gordon Murray T.50”.

لقد ابتكر موراي، لمن لا يعرفه، مفهوم سيارة الفورمولا 1 الثورية، التي تشتمل على مقعد القيادة الوسطي. غادر موراي ماكلارين ليؤسس شركة غوردن موراي أوتوموتيف، التي كانت وراء إطلاق طراز T.50، الوريث الروحي لتحفته السابقة. كُشف عن طراز T.50 في عام 2020، لكنه لم يدخل مرحلة الإنتاج الكامل إلا في مارس من هذا العام، على أن يُنتج منه 100 نموذج فقط. وحقيقة أن لورين يُوشك أن يقود هذه السيارة أمرٌ لا ينبغي أن يفاجئ أحدًا.

 

تايسون بيكفورد في إعلانٍ لأزياء Polo Sport في عام 1994.

تايسون بيكفورد في إعلانٍ لأزياء Polo Sport في عام 1994.

ردّ الجميل

لقد ذكرتُ سابقًا أن مسيرة لورين لم تكن دائمًا بهذه السهولة. فإحدى الأزمات الكبرى التي واجهها في حياته كانت تشخيصه بورم دماغي في عام 1986. في البداية، قال الأطباء إنه ورم حميد، غير أن إجراء لورين لكشف دوري بعدها بسنوات أظهر أن الورم سائرٌ في النمو وبحاجة للاستئصال. وبعد إجراء العملية الناجحة بفترة وجيزة، صادف نينا هايد، رئيسة تحرير صحيفة واشنطن بوست، وقد أخبرته وقتها أنها مصابة بسرطان الثدي.

يتذكر هذا الحدث قائلاً: “لقد تأثرت كثيرًا بالخبر. لقد كنت أدرك أن الألم مبثوثٌ في ثنايا هذا العالم المدهش. كنت أعرف هذه المرأة. كانت ذكية، وشعرت أن بمقدوري مساعدتها. وقلت لنفسي لن تموت، وسأجمع المال لمساعدتها. لقد أصبت بورم في الدماغ، لذلك أتفهم شعورها وحيرتها المستبدة أمام هذا الواقع الذي لا مناص منه.

واصلت تمويل أبحاث السرطان، حتى أصبح الأمر جزءًا من حياتي. لم تكن لدي أي دوافع خفية. جلّ ما في الأمر هو أني شعرت بأن نجاحي قد يكون وسيلةً لمساعدتها أيضًا. أعتقد حقيقةً أن بوسع الإنسان إنجاز الكثير من الأعمال الصالحة في هذه الحياة. فلا يمكن أن ينحصر تفكير المرء في نفسه فحسب طيلة الوقت. لا بد من رد الجميل”.

في عام 1989، شارك لورين في تأسيس مركز نينا هايد لأبحاث سرطان الثدي بمركز لومباردي الشامل لأبحاث السرطان في جامعة جورج تاون بمدينة واشنطن العاصمة. توفيت هايد في العام التالي، لكن لورين ضاعف جهوده.

وفي عام 1994، ساعد في إطلاق حملة “الموضة تستهدف سرطان الثدي”، بمعية مجلس مصممي الأزياء في أمريكا، كما صمم شعارها، وجمع تبرعات بلغت قيمتها مليوني دولار نتيجة بيع 400,000 قميص بولو من طراز FTBC بتوقيع رالف لورين. فضلاً عن ذلك، جرى تأسيس صندوق بِينكْ بوني Pink Pony Fund التابع لمؤسسة رالف لورين في عام 2001 بهدف الحد من الفوارق الاجتماعية في رعاية مرضى السرطان.

 

من اليسار: آل لورينز - أندرو، وريكي، ورالف، وديلان، وديفيد.

من اليسار: آل لورينز – أندرو، وريكي، ورالف، وديلان، وديفيد.

وفي عام 2003، تأسس مركز رالف لورين لرعاية مرضى السرطان في هارلم بالشراكة مع مركز ميموريال سلوان كيترينغ Memorial Sloan Kettering الرائد في علاج السرطان، وذلك بعد أن عَلِم لورين أن عددًا كبيرًا من مرضى السرطان يموتون في الحي بسبب نقص خيارات العلاج في المنطقة (لاحقًا، أصبح المركز يُعرف باسم مركز إم إس كيه رالف لورين MSK Ralph Lauren).

تواصلت مشاريع التعاون والتبرعات، وشملت التعاون مع مستشفى رويال مارسدن في لندن والذي يُعد أكبر مركز لعلاج السرطان في أوروبا، وكذلك التعاون مع مركز جونز هوبكنز لصحة السكان الأصليين بغرض تعزيز الرعاية في أوساط الجماعات القَبَلية، بالإضافة إلى تبرعٍ بقيمة 25 مليون دولار لإنشاء وتطوير خمسة مراكز إضافية للرعاية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين المبادرات الخيرية الأخرى التي تضطلع بها الشركة تلك المتصلة بحماية البيئة وتأمين التنوع والإدماج على مستوى قطاع الأزياء.

لقد شارف وقت اللقاء على الانتهاء، ذلك أن لورين لديه موعد مع طبيب الأسنان. لهذا طرحت عليه سؤالاً أخيرًا بشأن زوجته ريكي، التي ذكرها كثيرًا. تحتل العائلة حيزًا كبيرًا في حياة الرجل رالف لورين، وخصوصًا أبناءه الثلاثة: يبلغ أندرو من العمر 54 عامًا ويعمل في مجال السينما، فيما يبلغ ديفيد من العمر 51 عامًا ويرأس قسم العلامة التجارية والابتكار في الدار ويشغل منصب رئيس مؤسسة رالف لورين ومنصب نائب رئيس مجلس الإدارة.

أما ديلان، فتبلغ من العمر 49 عامًا وهي سيدة أعمال ومؤسسة شركة “ديلانز كاندي بار”. لقد ظهروا جميعًا في الحملات الإعلانية لأبيهم، وكانت ريكي بجانبه دومًا. إنها ملهمته، وقد تزوجا منذ 59 عامًا. ولهذا طلبت منه أن يخبرني عنها.

يُجيبني مبتسمًا: “ستقرأ هذا المقال، ولذلك ينبغي أن أمتدحها. لقد ساندتني في كل خطوة من الطريق. لا إلمام لها بالأزياء، ولم تهتم بها قط. إنها تقرأ كثيرًا، بِحُكم عملها طبيبةً نفسية. إنها في غاية الجمال والصدق. لم تكن الحياة دومًا مثالية، لكن حضورها ترك أثرًا عظيمًا، شأنها في ذلك شأن أبنائي، إذ إنهم في غاية اللطف”.

قد يكون هذا هو المعنى الحقيقي للنجاح في قاموس رالف لورين. فبالرغم من أن العلامة التي أطلقها قد غزت العالم وحققت له الثروة والثناء (تقول التقديرات إن ثروته تزيد على 8 مليارات دولار)، إلا أن عائلته تبقى بقربه في مختلف الأحوال.

في طريق عودتي من شارع ماديسون إلى مقر مجلة Robb Report في الجادة الخامسة، تذكرت تفصيلاً ذكره في منتصف المقابلة. لقد قال: “ليس ما تراه فيلمًا أو شيئًا مُتصنعًا. هذه ليست علامة فحسب، بل هي حياتي”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Sidebar
We use cookies to improve your experience on our website. By browsing this website, you agree to our use of cookies.
Start typing to see posts you are looking for.