جولة في لوكا الإيطالية.. عودة إلى أناقة العصور الوسطى

من الحرير إلى الثقافة

بينما تألقت لوكا، خلال العصور الوسطى، بوصفها مركزًا بارزًا لصناعة الحرير، باتت هذه المدينة، اليوم، مركزًا ثقافيًا رائدًا، إذ تحتضن، بصورة دورية، عددًا من الفعاليات الثقافية المهمة، منها مهرجان لوكا الصيفي، الذي يستقطب نجوم الموسيقى في العالم، إضافة إلى مهرجان لوكا للقصص المصورة والألعاب الإلكترونية، الذي يُعد ثاني أكبر مهرجان للقصص المصورة في العالم.

كما تمتزج في لوكا التفاصيل التاريخية بروح العصر الحديث؛ فالعديد من المتاجر، مثلًا، لا تزال تحتفظ بلافتاتها الأصلية رغم تغيير نشاطها. لذلك، لا تستغرب إن وجدت نفسك أمام متجر يحمل لافتة “جزارة” من الخارج، ويبيع نظارات شمسية في الداخل.

أين تقيم في لوكا؟

الإقامة في لوكا تُعد تجربة لا تُضاهى بحد ذاتها. ففي منطقة ترامونتي، تتسامى فيلا Trenta  كنزًا تاريخيًا تمتد جذوره لخمسة قرون. تحتضن هذه الفيلا الفخمة مسبحًا خاصًا ومساحات إقامة لنحو 24 ضيفًا.

في الجوار نفسه، تتألق فيلا Villa Volpi، الدير القديم الذي بيع منذ 8 سنوات، مع تراثه من أرضيات تيراتزو الأصلية والأثاث العتيق، بالإضافة إلى 7 غرف نوم بحمامات داخلية وإطلالة مثالية على التلال الخلابة. وهنا يضيف الطاهي المحترف لمسة فنية إلى تجربة الإقامة بتحضير وجبات شهية حسب الطلب.

فيلا L’Arancera ، أيضًا، تستحق أن تكون على القائمة عند التفكير في خيارات الإقامة. كان هذا الملاذ في الأساس بيت مزرعة يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، واكتسب مظهره الحالي بعد عملية ترميم وتجديد شاملة تواصلت 10 سنوات.

تضم الفيلا 12 غرفة، وحوض سباحة بطول 18 مترا، وتحيط بها حدائق تتألق بنباتات نادرة وأشجار تحكي قصة قرون. تتيح الخدمات الفاخرة، بدءًا من التموين اليومي حتى جلسات اليوغا والطهي، تجربة فاخرة لا تُنسى في هذا الملاذ الفريد.

وبالنسبة لعشاق الفنادق الراقية، يُعد Grand Universe خيارًا مثاليًا، إذ يمنح الضيوف إطلالة مدهشة على المدينة، بموقعه المتميز على ساحتي ديل جيجليو ونابليون. يتألق الفندق بتاريخه الفخم، لا سيّما أنه شهد تحولاً مذهلاً من ورشة لنفخ الزجاج إلى ملاذ نبيل للعائلات الأرستقراطية، ثم إلى فندق فاخر في منتصف القرن الثامن عشر. تتيح الغرف الراقية للنزلاء الاستمتاع بالفخامة التي استضافت قبلهم فنانين وشعراء وملوكًا، مع لمسات عصرية من الحرير الفاخر والستائر المخملية.

ليس هناك حد لتجارب الإقامة الرائعة في لوكا، حيث تشمل الخيارات، أيضًا، شققًا فاخرة بينها شقة Gimber Tales، الموجودة على بعد 15 دقيقة سيرًا على الأقدام من المحط. يمنحك هذا اللاذ الاستثنائي بتصميمه الراقي وألوانه الفاتحة إحساسًا بالأناقة والدفء.

كما تُعد شقة Casa Vanny، التي تمزج بين الحياة الريفية وسحر المدينة، مكانًا فريدًا داخل أسوار لوكا التاريخية، وفيها يتداخل الأثاث العتيق مع لمسات حديثة لتقديم تجربة إقامة فاخرة ولا تُنسى.

الغوص في أعماق التاريخ

إلى جانب الإقامة المميزة، تُقدّم لوكا باقة متنوعة من الأنشطة الرائعة التي لا يمكن تفويتها. فهناك فيلا ريالي دي مارليا Reale di Marlia، التي يمتد تاريخها إلى القرن السابع عشر، والتي اختارتها إليزا بونابرت مقرًا صيفيًا عندما أسند لها شقيقها نابليون بونابرت حكم لوكا بعد الاستيلاء عليها في القرن الثامن عشر.

قامت إليزا بتحسين حدائق الفيلا بشكل استثنائي، محولة إياها إلى تحفة على الطابع الكلاسيكي المستوحى من حدائق فرساي الباريسية. جرت إعادة ترميم الفيلا في عام 2015 لاستعادة عظمتها، مع الاحتفاظ بتصميماتها الداخلية الإمبراطورية والأسقف الجدارية والحمامات الرخامية. يمكنك استكشاف جمال حدائق هذه الفيلا، والاستمتاع بزيارة تياترو دي فيرزورا Teatro di Verzura، الذي يُعد أقدم مسرح في أوروبا.

كذلك، يُنصح بزيارة فيلا توريجياني Torrigiani في بلدة كاميليانو، التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر. بعد المرور بين صفين مذهلين من أشجار السرو، ستصل إلى الفيلا التي تزينها واجهات باروكية مهيبة. في الداخل، ستبهرك الديكورات الكلاسيكية الفخمة، التي تشحذ خيالك لاستحضار حياة الأرستقراطيين في القرن السادس عشر. وقبل مغادرة المكان، يمكن الاستمتاع بجولة في حدائق الفيلا المُنسّقة بأناقة تعكس سحر الماضي الراقي.

لا يمكن، أيضًا، تفويت زيارة حديقة لوكا النباتية، التي تأسست عام 1820 برعاية إليزا بونابرت. تضم الحديقة منطقتين رئيستين: تحتوي الأولى على مشتل وحديقة مفتوحة وبحيرة جميلة، بينما خُصصت الثانية لدفيئة ومتحف نباتات. استمتع بجولة بين أكثر من 200 نوع من النباتات، واستمع إلى قصصها الفريدة. انغمس في أجواء التاريخ مع المداخل التسعة الفريدة والميداليات الخزفية التي تحكي تفاصيل اللحظات التاريخية المهمة.

بعد هذه الجولة بين أحضان التاريخ العتيق، قد تحتاج إلى الاستمتاع بجولة هادئة على متن الدراجة حول أسوار المدينة، حيث يمتد مسار مظلل بالأشجار على مسافة ثلاثة أميال. استأجر دراجة من Amici Bici لتستمتع برحلة هادئة وسهلة، وستُكافأ بمناظر طبيعية خلابة وفرصة للاستمتاع بنزهة على العشب.

عراقة المأكولات الإيطالية

تجربة الطعام في لوكا تضفي على رحلتك مزيدًا من المتعة، إذ يمكنك تذوق لذائذ المأكولات الإيطالية الشهية في المطاعم المحلية التي تجمع بين العراقة والإبداع في تقديم الأطباق.

ففي قلب لوكا ينبثق عالم استثنائي داخل مطعم Ristorante Il Giglio على الرغم من واجهته المتواضعة. يتناغم جمال الأسقف الجصية الفينيسية ولوحات الجدران التي تعود إلى القرن الثامن عشر مع مستوى الخدمة الراقية. في عام 2013، استحوذ ثلاثة طهاة شبان، لورنزو وستيفانو وبينيديتو، على هذا المكان ليجسدوا بشغفهم وإبداعهم فن الطهو الفاخر. تتغير قائمة الطعام بانتظام بحسب المواسم، لكن لا يُفضل تفويت حلوى التارتليت مع اللوز وفاكهة الكاكا وكريمة الفانيليا.

ولن تكتمل تجربتك الغنية في لوكا إلا بزيارة مطعم L’Imbuto، الحاصل على نجمة ميشلان، وحيث يبتكر الطاهي كريستيانو تومي أطباقًا متقنة باستخدام مكونات موسمية ومحلية. يتميز المطعم أيضًا بموقعه المطل على حدائق باروكية رائعة وقصر Palazzo Pfanner الفخم.

فضلاً عن ذلك، يوفر مطعم Buca di Sant’Antonio أجواءً إيطالية أصيلة يثريها الطابع التصميمي الذي تميزه الأواني النحاسية المعلقة من الأسقف ذات العوارض الخشبية، والإضاءة الدافئة. ومع مجموعة وفيرة من أطباق توسكانا الريفية، قائمة واسعة ومتنوعة، قد يكون الاختيار صعبًا، لكن لا يمكن أن تخطئ إذا قررت تجربة طبق باستا تاغليوليني مع الزبدة والكمأة.

وبحلول ساعات المساء، قد تحتاج إلى مقهى مناسب لقضاء أوقات ممتعة. هنا، يبرز مقهى باستيسيريا تاديوتشي Pasticceria Taddeucci، كنجمة لامعة في سماء الذوق الفاخر. في هذا الأثر التاريخي، الذي يعود إلى عام 1881، تُعد كعكة بوشيلاتو Buccellato تجربة لا تنسى لعشاق الحلويات، بفضل وصفة سرية توارثتها خمسة أجيال.

وعلى ساحة سان فريديانو، يتألق مقهى سانتا زيتا Santa Zita واحة فنية تربط بين الماضي والحاضر. وقد يكون المطبخ المفتوح أكثر ما يتميز به هذا المقهى، حيث يُظهر الطهاة خبرتهم وحرفيتهم بوضوح أمام الزبائن. يُعد الطهاة هنا فنانين يرسمون لوحاتهم اللذيذة بأيديهم الماهرة، ما يُضفي على تجربة الطعام لمسة من السحر والفخامة.

تجربة تسوق فاخرة

في أحضان لوكا، الجوهرة الخفية في قلب توسكانا، تتناغم الفخامة والأصالة التاريخية في أفضل المتاجر التي تضفي على التسوق طابعًا فريدًا وساحرًا.

تأسس متجر جويليريا كارلي Gioielleria Carli في عام 1655، وهو يشكل لوحة فنية تعكس رفاهية الماضي. عندما تعبر عتباته، يستقبلك السقف الجداري الرائع، وتتأمل في خزاناته العتيقة التي تحتضن خواتم مرصعة بالياقوت والزمرد والألماس، بجانب دبابيس الزينة الفاخرة وقلائد اللؤلؤ الساحرة. تحمل هذه الزخرفات بصمة عائلة كارلي، وهم فنانون من الصاغة المحليين يمنحون كل قطعة لمسة فريدة.

أما بيسي وفينتشي Pesi & Vinci، فيتألق بوصفه واحدًا من أجمل متاجر الملابس في لوكا، ويقدم مجموعة مميزة من أزياء الرجال والنساء الفاخرة.

أما متجر كارتوليريا بياجيوني Cartoleria Biagioni، فيُعد بمنزلة أرض العجائب لعشاق الأدوات المكتبية، إذ يقدم مجموعة فريدة من الأقلام والأوراق وخامات الرسم والدفاتر التي تحمل توقيع علامات تجارية راقية.  باختصار، لوكا ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي عالم ساحر يجمع بين التاريخ والحاضر بشكل فريد، وهي حقًا واحدة من أفضل المحطات التي يمكن زيارتها في توسكانا.